الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فقال ما أغفله عما في {والسماء والطارق} [الطارق: 1] وكأنه حمل البقاء فيه على عدم التعرف أصلاً فليفهم ويوم عند جمع من الحذاق ظرف لمحذوف يدل عليه {رجعه} أي يرجعه يوم الخ.وقال الزمخشرية وجماعة: ظرف لـ: {رجعه} واعترض بأن فيه فصلاً بين المصدر ومعموله بأجنبي وأجب تارة بأنه جائز لتوسعهم في الظروف وأخرى بأن الفاصل هنا غير أجنبي لأنه إما تفسير أو عامل على المذهبين وقال عصام الدين: إن الفصل بهذا الأجنبي كلا فصل لأن المعمول في نية التقديم عليه وإنما أخر لرعاية الفاصلة وفيه ما لا يخفى.وقيل ظرف لـ: {ناصر} بعد وتعقبه أبو حيان بأنه فاسد لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها وكذلك ما النافية على المشهور المنصور وقيل معمول لأذكر محذوفاً وهو كما ترى ويتعين هو أو ما قبله على رأي مجاهد وعكرمة ورأى الضحاك السابقين آنفاً.وجوز الطبرسي تعلقه بقادر ولم يعلقه جمهور المعربين به لأنه يوهم اختصاص قدرته عز وجل بيوم دون يوم كما قال غير واحد وقال ابن عطية فروا من أن يكون العامل {لقادر} للزوم تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب جاز أن يكون العامل وذلك أنه تعالى قال: {على رجعه لَقَادِرٌ} على الإطلاق أولاً وآخراً وفي كل وقت ثم ذكر سبحانه من الأوقات الوقت الأعظم على الكفار لأنه وقت الجزاء والوصول إلى العذاب ليجتمع الناس على حذره والخوف منه انتهى وهو على ما فيه لا يدفع الإيهام.{فمآلهُ} أي الإنسان {لَهُ مِن قُوَّةٍ} في نفسه يمتنع بها {وَلاَ نَاصِرٍ} ينتصر به.{وَالسماء ذَاتِ الرَّجْعِ (11)}{والسماء} وهي المظلة في قول الجمهور {ذَاتِ الرجع} أي المطر في قولهم أيضًا كما في قول الخنساء: وأصله مصدر رجع المتعدي واللازم أيضًا في قول ومصدره الخاص به الرجوع سموا به الممطر كما سموه بالأوب مصدر آب ومنه قوله: فيرجع أو لأن السحاب يحمله من بحار الأرض ثم يرجعه إلى الأرض وبنى هذا غير واحد على الزعم وفيه بحث وعن أو المراد به فيه النحل لأن الله تعالى يرجعه حيناً فحيناً وقال الحسن: لأنه يرجع بالرزق كل عام أو أرادوا بذلك التفاؤل ابن عباس ومجاهد تفسير السماء بالسحاب والرجع بالمطر وقال ابن زيد السماء هي المعروفة والرجع رجوع الشمس والقمر والكواكب من حال إلى حال ومن منزلة إلى منزلة فيها وقيل رجوعها نفسها فإنها ترجع في كل دورة إلى الموضع الذي تتحرك منه وهذا مبني على أن السماء والفلك واحد فهي تتحرك ويصير أوجهاً حضيضاً وحضيضها أوجاً وقد سمعت فيما تقدم أن ظاهر كلام السلف أن السماء غير الفلك وأنها لا تدور ولا تتحرك والذي ذكر رأي الفلاسفة ومن تابعهم وقيل الرجع الملائكة عليهم السلام سموا بذلك لرجوعهم بأعمال العباد.{والأرض ذَاتِ الصدع} هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات وأصله الشق سمي به النبات مجازاً أو هو مصدر من المبني للمفعول فالمراد تشققها بالنبات وروي ذلك عن عطية وابن زيد وقيل تشققها بالعيون وتعقب بأن وصف السماء والأرض عند الإقسام بهما على حقيقة القرآن الناطق بالبعث بما ذكر من الوصفين للإيماء إلى أنهما في أنفسهما من شواهده وهو السر في التعبير عن المطر بالرجع وذلك في تشقق الأرض بالنبات المحاكي للنشور حسبما ذكر في مواضع من التنزيل لا في تشققها بالعيون ويعلم منه ما في تفسير الرجع بغير المطر وكذا ما في قول مجاهد الصدع ما في الأرض من شقاق وأودية وخنادق وتشقق بحرث وغيره وما روي عنه أيضًا الصدع الطرق تصدعها المشاة وقيل ذات الأموات لأنصداعها عنهم للنشور.{إِنَّهُ لَقول فَصْلٌ (13)}{إنه} أي القرآن الذي من جملته هذه الآيات الناطقة بمبدأ حال الإنسان ومعاده وهو أولى من جعل الضمير راجعاً لما تقدم أي ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم لأن القرآن يتناول ذلك تناولاً أولياً وقوله تعالى: {لَقول فَصْلٌ} أنسب به والمراد لقول فاصل بين الحق والباطل قد بلغ الغاية في ذلك حتى كأنه نفس الفصل وقيل مقابلة الفصل بالهزل بعد يستدعي أن يفسر بالقطع أي قول مقطوع به والأول أحسن.{وَمَا هُوَ بالهزل (14)}{وَمَا هوَ بالهزل} أي ليس في شيء منه شائبة هزل بل كله جد محض فمن حقه أن يهتدي به الغواة وتخضع له رقاب العتاة وفي حديث أخرجه الترمذي والدارمي وابن الأنباري عن الحرث الأعور عن علي كرم الله تعالى وجهه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إنها ستكون فتنة قلت فما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ فيه الأهواء ولا نشبع منه العلماء ولا تلتبس به الألسن ولا يخلق عن الرد ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن لما سمعته عن أن قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن هدي به هدي إلى صراط مستقيم» وفي هذا من الرد على الذين نبذوه وراء ظهورهم ما فيه.{إِنَّهُمْ يكيدون كَيْدًا (15)}{إنَّهُمْ} أي كفار مكة {يكيدون} يعملون المكايد في إبطال أمره وإطفاء نوره أو في إبطال أمر الله تعالى وإطفاء نور الحق والأول أتم انتظاماً وهذا قيل أملأ فائدة {كَيْداً} أي عظيماً حسبما تفي به قدرتهم والجملة تحتمل أن تكون استئنافاً بيانياً كأنه قيل إذا كان حال القرآن ما ذكر فما حال هؤلاء الذين يقولون فيه ما يقولون فقيل إنهم يكيدون كيداً.{وَأَكِيدُ كَيْداً} أي أقابلهم بكيد متين لا يمكن رده حيث استدرجهم من حيث لا يعلمون أو أقابلهم بكيدي في إعلاء أمره وإكثار نوره من حيث لا يحتسبون والفصل لهذا وقيل لئلا يتوهم عطفها على جواب القسم مع أنها غير مقسم عليها.{فَمَهّلِ الكافرين} فلا تشتغل بالانتقام منهم ولا تدع عليهم بالهلاك أو تأن وانتظر الانتقام منهم ولا تستعجل والفاء لترتيب مما بعدها على ما قبلها فإن الأخبار بتوليه تعالى لكيدهم بالذات وعدم اهمالهم مما يوجب إمهالهم وترك التصدي لمكايدتهم قطعاً ووضع الظاهر موضع الضمير لذمهم بأبي الخبائث وأمها وقيل للاشعار بعلة ما تضمنه الكلام من الوعيد وقوله تعالى: {أَمْهِلْهُمْ} بدل من {مهل} على ما صرح به في الإرشاد وقوله سبحانه: {رُوَيْداً} اما مصدر مؤكد لمعنى العَامل أو نعت لمصدره المحذوف أي أمهلهم إمهالاً رويداً أي قريباً كما أخرج ابن المنذر وابن جرير عن ابن عباس أو قليلاً كما روي عن قتادة وأخرج ابن المنذر عن السدى أنه قال أي أمهلهم حتى آمر بالقتال ولعله المراد بالإمهال القريب أو القليل واختار بعضهم أن يكون المراد إلى يوم القيامة لأن ما وقع بعد الأمر بالقتال كالذي وقع يوم بدر وفي سائر الغزوات لم يعم الكل وما يكون يوم القيامة يعمهم والتقريب باعتبار أن كل آت قريب وعلى هذا النحو التقليل على أن من ماتب فقد قامت قيامته والظاهر ما قال السدى وقد عراهم بعد الأمر بالقتال ما عراهم وعدم العموم الحقيقي لا يضر وهو في الأصل على ما قال أبو عبيدة تصغير رود بالضم وأنشد: أي على مهل وقال أبو حيان وجماعة تصغير ارواد مصدر رواد يرود بالترخيم وهو تصغير تحقير وتقليل وله في الاستعمال وجهان آخران كونه اسم فعل نحو رويداً زيد أي أمهله وكونه حالاً نحو سار القوم رويداً أي متمهلين غير مستعجلين ولم يذكر أحد اجتمال كونه اسم فعل هنا وصرح ابن الشيخ بعدم جريانه وعلل ذلك بأن الأوامر كلها بمعنى فكانه قيل أمهل الكافرين أمهلهم أمهلهم وفائدة التأكيد تحصل بالثاني فيلغو الثالث وفي التعليل نظر فقد يسلك في التأكيد بألفاظ متحدة لفظاً ومعنى نحو ذلك ففي الحديث: «أيما امرأة أنكحت نفسها بدون ولي فنكاحها باطل باطل» ولا فرق بين الجمل والمفردات نعم هو خلاف الظاهر جدًّا وجوز رحمه الله كونه حالاً أي أمهلهم غير مستعجل والظاهر أنه حال مؤكدة كما في قوله تعالى: {لا تعثوا في الأرض مفسدين} [البقرة: 60] فلا تغفل وهو أيضًا بعيد وظاهر كلام أبي حيان وغيره أن الأمر الثاني توكيد للأول قالوا والمخالفة بين اللفظين في البنية لزيادة تسكينه صلى الله عليه وسلم وتصبيره عليه الصلاة والسلام وإنما دلت الزيادة من حيث الاشعار بالتغاير كأن كلا كلام مستقل بالأمر بالتأني فهو أوكد من مجرد التكرار وقرأ ابن عباس {مهلهم} بفتح الميم وشد الهاء موافقة للفظ الأمر الأول. اهـ.
|